بعد ثماني سنوات من الدبلوماسية الفاشلة في اليمن، حان وقت التغيير

في صباح يوم 14 نوفمبر 2011، اتفق أشرس الخصوم اليمنيين أخيرًا على اللقاء في اجتماع مغلق وغير معلن قام بتيسيره المبعوث الخاص للأمم المتحدة في اليمن آنذاك، جمال بنعمر، للتفاوض حول حل للخروج من الأزمة. كانت العاصمة صنعاء منقسمة، واندلعت الاشتباكات المسلحة وصارت البلاد على شفا حفرة من الحرب الأهلية. وكان الطرفان يناقشان اتفاقا انتقاليا بوساطة من الأمم المتحدة في أعقاب الاحتجاجات الجماهيرية التي اجتاحت البلاد مطالبة بنهاية حكم الرئيس الراحل علي عبد الله صالح. في هذه الأثناء، حضر دبلوماسيون أجانب من الدول الخمسة دائمة العضوية في مجلس الأمن، وكانوا يحاولون اقتحام مقر الاجتماع.

خرج بنعمر الذي نظم الاجتماع المنعقد في مقر إقامة عبد ربه منصور هادي الذي كان آنذاك نائب الرئيس اليمني علي عبد الله صالح، ليرى من هم الرابضون. كان على رأس هؤلاء سفير الولايات المتحدة الأمريكية في اليمن جيرالد فييرستين صحبة سفير المملكة المتحدة، يرافقهم سفراء كل من فرنسا وروسيا والصين. فأخبرهم بنعمر بنبرة حازمة أن المحادثات تخص اليمنيين فقط، مهددا بالانسحاب من الاجتماع إذا حاولوا الدخول. كما أوضح هادي بصريح العبارة وبأوامر من صالح، أن السفراء غير مرحب بهم، وكذلك فعل وفد المعارضة، وهو الشيء الأول والوحيد الذي اتفق عليه الطرفان منذ بدء الأزمة.

آنذاك، طالب السفيران الأمريكي والبريطاني بنعمر بالعودة إلى نيويورك فورًا لتقديم تقرير إلى مجلس الأمن. لكن بنعمر رفض الأمر، وكان قد اتصل بالفعل، دون علمهم، برئيس مجلس الأمن وحصل على الموافقة على تأجيل موعد الاجتماع حتى يتمكن من الوساطة بين الجانبين.

مقترح السلام الهزيل لمجلس التعاون الخليجي

كان مقترح السلام الذي تم الترويج له آنذاك من قبل الولايات المتحدة الأمريكية والمملكة المتحدة والأمين العام لمجلس التعاون الخليجي، والذي يُطلق عليه عادة مبادرة مجلس التعاون الخليجي ، عبارة عن نص من صفحة ونصف فقط لا غير،  ولا يحمل أية تفاصيل. علاوة على ذلك، استبعد هذا المقترح أطراف رئيسية في النزاع، بما في ذلك الشباب اليمني الذي احتل الساحات والشوارع والنساء والحوثيين والحراك الجنوبي. كما أنه افتقر إلى التفاصيل الأساسية المتعلقة بالمسلسل الانتقالي وخارطة الطريق المستقبلية.

بعد أسبوع من الاجتماعات في مقر إقامة هادي، توصلت الأطراف إلى اتفاق لتقاسم السلطة، بتيسير من الأمم المتحدة، وتمت صياغة خارطة طريق مفصلة للانتقال السياسي تحمل عنوان : الاتفاق بشأن آلية تنفيذ العملية الانتقالية في اليمن وفقاً لمبادرة مجلس التعاون الخليجي . ومن المفارقات أن الوثيقة تحمل تناقضات صارخة مع المبادرة في كثير من الجوانب.

لم يكن الاتفاق الذي توسطت فيه الأمم المتحدة اتفاقا مثالياً، لكنه وضع الأسس لحوار وطني أكثر إدماجا وعملية سياسية أكثر شمولاً استمرت الأمم المتحدة في تسهيلها. وشكل هذا الاتفاق أفضل بديل عن الصراع العنيف الوشيك. واستمر الحوار، رغم الشد والجذب، إلى أن شنت المملكة العربية السعودية حربها على اليمن، بدعم من الإمارات العربية المتحدة والولايات المتحدة الأمريكية والمملكة المتحدة في مارس 2015 ، بعد سيطرة الحوثيين على العاصمة والتجاء هادي وحكومته إلى المنفى في الرياض.

فشل مساعي الوساطة لحل النزاعات المسلحة

منذ التدخل العسكري السعودي في اليمن، فشلت جميع المبادرات الدبلوماسية الرامية لإيجاد حل سياسي للأزمة لأسباب واضحة. فلم تكن هناك على الإطلاق أية عملية سياسية شاملة ذات مصداقية ولا أية وساطة محايدة موثوقة. وبعد أسبوعين من الحرب التي قادتها السعودية، صادق مجلس الأمن على مسودة قرار 2216 صاغته الحكومة السعودية، والذي دعا أساسا الحوثيين إلى الاستسلام لحكومة تعيش في فنادق فخمة في الرياض. وقد حاولت الأمم المتحدة إحياء المحادثات في جنيف وفي الكويت. وبالفعل شارك الحوثيون بناء على القرار رقم 2216 في تلك المحادثات كمتمردين مقابل ما يطلق عليه الآن “الحكومة المعترف بها دوليًا”. كما افتقرت تلك المحادثات إلى التمثيلية الحقيقية لجميع الأحزاب السياسية حيث طُلب منهم المشاركة تحت مظلة “الحكومة الشرعية” التي تسيطر عليها الرياض. وقد تم بكل بساطة تجاهل الشباب والنساء الذين شاركوا في الحوار الوطني الشامل طيلة عشرة أشهر ما بين سنتي 2013-2014. وبدلاً من ذلك، كان سفراء الدول دائمة العضوية في مجلس الأمن بالإضافة إلى سفراء دول مجلس التعاون الخليجي هم من يحدد جدول الأعمال. ففي أحد اجتماعات الكويت، ورد أن المبعوث الأمريكي هدد الحوثيين بجعل الورقة النقدية أرخص من الحبر الذي عليها إذا لم يقبلوا بعض البنود المقترحة. علاوة على ذلك، لم يعد يُنظر إلى الأمم المتحدة ومبعوثيها الجدد على أنهم وسطاء محايدون للتوصل إلى اتفاقات، لأنهم كانوا ينفذون وجهة نظر الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن الذين يدعم جميعهم تدخل المملكة العربية السعودية.

أصبحت الأمم المتحدة تعتبر فاعلا غير محايد

منذ ذلك الحين، فشلت الأمم المتحدة في جمع الخصوم اليمنيين حول طاولة الحوار لمناقشة سبل الخروج من الأزمة. وقد قامت عُمان بتسهيل المحادثات الأخيرة التي جرت بين السعودية والحوثيين. وتعتبر مساعي مسقط الأخيرة لإيجاد قنوات للتواصل بين السعودية والحوثيين خطوة جيدة حافظت على الهدنة الحالية. مع ذلك، يظل تحديد خارطة طريق لاتفاق شامل يتيح تقاسم السلطة أمرا ملحا، بينما ركزت معظم المحادثات على الجوانب الإنسانية للحرب، بدلاً من تحديد شكل الحكم في اليمن وكيفية تقاسم السلطة والموارد.

إضافة إلى ذلك، لا يفترض أن يطرح حل النزاع في اليمن كل هذه الصعوبة إذا تم استخلاص الدروس من الأخطاء الدبلوماسية السابقة. يجب وضع حد لجميع التدخلات الخارجية في اليمن. لقد فشل الغزو الأمريكي لأفغانستان والعراق فشلا ذريعا، بحيث انتهى الأمر بسيطرة طالبان على البلاد، وظل العراق يتخبط في كارثة سياسية لسنوات عديدة وكانت الخسائر البشرية فادحة في كلا البلدين. فبالإضافة إلى الدمار الذي يسببه التدخل الأجنبي، فهو غالبًا ما يمهد أيضًا لاستغلال وتحكم في العملية السياسية من  قبل فاعلين خارجيين بعيدا عن المحليين.

السعودية توافق على التفاوض مع الحوثيين

للأسف، كانت الأطراف اليمنية على وشك  توقيع اتفاق لتقاسم السلطة عندما شنت المملكة العربية السعودية حربها في عام 2015. وبعد ثماني سنوات، فشل السعوديون في إعادة النخبة اليمنية المفضلة لديهم للحكم، وانتهى بهم المطاف إلى تقوية خصومهم الحوثيين. وقد ساعدوا بمعية الإمارات العربية المتحدة في خلق المزيد من أمراء الحرب المحليين الذين زادوا من حدة تمزيق البلاد. الآن وقد اختارت المملكة العربية السعودية التفاوض المباشر مع الحوثيين، فهذا تقدم في الموقف مرحب به، لكن  إمكانية نجاح هذه المفاوضات تتطلب إشراك خبرة محايدة لتسهيلها. فإذا أوقف جميع المتدخلين الإقليميين، أو على الأقل جمدوا إمداداتهم المالية والعسكرية لحلفائهم اليمنيين، قد تنجح مبادرات الوساطة اليمنية بقيادة محلية حيث فشلت حتى الآن الأمم المتحدة وجميع الجهات الأجنبية الفاعلة.

يجب على الأمم المتحدة دعم المبادرات التي يقودها اليمنيون، بدلاً من الاستمرار في التظاهر بأنها وحدها في قمرة القيادة. انتهت أيام الوساطة الحازمة والمحايدة التي قامت بها الأمم المتحدة عندما قررت المنظمة الدولية أن تعزف على نفس إيقاع المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة. فكيف يمكن للأمين العام للأمم المتحدة حذف اسم المملكة العربية السعودية بشكل تعسفي من قائمة الدول التي ترتكب  جرائم ضد الأطفال وأن يتوقع أن ينظر اليمنيون إليه أو من يمثله على أنه وسيط موثوق به من أجل السلام؟ كما على مجلس الأمن أن يجد طريقة لإلغاء القرار 2216 واستعمال لغة مختلفة في قرار جديد يمكن أن يعيد إلى الأمم المتحدة  بعض من حيادها المفقود والذي يمثل وجها اخرا من الأضرار الجانبية لحرب المملكة العربية السعودية. فبدعم وبحيادية أكبر من طرف الأمم المتحدة إلى جانب سلطنة عمان، يمكن لحوالي ثلاثة إلى أربعة يمنيين يحظون بالاحترام، ويتمتعون بثقة جميع الأطراف، أن يجمعوا جميع الأطراف المتحاربة، للاتفاق على خارطة طريق جديدة للسلام والمصالحة. لكن لكي تنجح مثل هذه المبادرة، يحتاج شخص ما، كما فعل بنعمر، إلى إبقاء السفراء الأجانب خارج القاعة. حان الوقت لكي يقرر اليمنيون مستقبلهم بمنأى عن التدخل الأجنبي.

لم تنجح المبادرات الدبلوماسية بشأن اليمن على مدى السنوات الثمانية الماضية. وقد حان الوقت لتغيير المسار وإنهاء دوامة العنف. يجب على واشنطن والرياض وغيرهما إرسال دبلوماسيين حريصين على تمكين صناع السلام اليمنيين، بدلاً من دعم وإضفاء الشرعية على أمراء الحرب الذين تنحصر مصلحتهم في استمرار الصراع.

شعيب المساوع،  صحفي يمني مستقل مقيم في صنعاء، تنشر مقالاته في The New York Times و The Intercept وغيرهما

Share this article:

Facebook
Twitter
LinkedIn
WhatsApp
Email

Related Posts

In Brief

Latest News

Join the Diplomacy Now Mailing list.

Receive each monthly edition direct to your inbox.