في ظل أزمة دبلوماسية طويلة الأمد ودون بوادر حل قريب، تستقبل الجزائر والمغرب العام الجديد بتوقعات متباينة مع مواجهة خطر محدود لكنه متزايد من التصعيد غير المقصود. تعود أسباب التوتر إلى شعور الجزائر المتزايد بانعدام الأمن، وإلى السياسة الخارجية الجريئة والواثقة التي تتبعها الرباط. وقد شكلت هذه التوترات خطر التصعيد العرضي أحيانًا بسبب النزاع حول منطقة الصحراء الغربية.
أسهم ضبط النفس المتبادل وتدخل الولايات المتحدة في منع نشوب صراع مباشر، لكن بعد إعادة انتخاب دونالد ترامب، بدأت تصورات الطرفين تتغير مجددًا. يكمن الخطر في أنه مع احتمالية تراجع دور واشنطن السابق في التهدئة، قد تصبح التداعيات الأمنية لأي حوادث مستقبلية أكثر صعوبة في التعامل معها، ما لم تقرر الحكومات الأوروبية تولي الدور الذي كانت الولايات المتحدة تؤديه في المنطقة.
أزمة تحت السيطرة
تعود الأزمة الحالية بين الجارتين إلى أغسطس 2021، عندما علقت الجزائر علاقاتها الدبلوماسية مع الرباط بعد سلسلة من الحوادث المتعلقة بتطبيع المغرب لعلاقاتها مع إسرائيل واتهامات بدعمه لحق تقرير المصير لمنطقة القبائل، وهي منطقة ذات أغلبية أمازيغية في الجزائر.
وراء هذه الحوادث يكمن تصور لدى الجزائر يتعلق بزيادة انعدام الأمن، التي يغذيه التغلغل المتزايد لعدد من الفاعلين الأجانب (مثل روسيا وتركيا) في شمال إفريقيا والساحل، إضافة إلى السياسة الخارجية الحازمة للمغرب. بالنسبة للجزائر، فإن تطبيع جارتها لعلاقاتها والتعاون العسكري مع إسرائيل يشكل تهديدًا مباشرًا لأمنها الوطني.
على الرغم من أن نزاع الصحراء الغربية لم يظهر كمحرك رئيسي للتوترات بين الجزائر والمغرب، إلا أن الساحة العسكرية تشكل خطرًا محدودًا ولكنه آخذ في التزايد من التصعيد غير المقصود بينهما. الرباط، التي تسيطر على 80 بالمئة من أراضيها، وجبهة البوليساريو المؤيدة للاستقلال، التي تحظى بدعم الجزائر، استأنفا الأعمال العدائية في نوفمبر 2020، بعد أن حاولت الأمم المتحدة تنظيم استفتاء لتقرير المصير في التسعينات لكنها فشلت في النهاية، ثم حاولت التوسط لحل سياسي مختلف، دون جدوى.
تهدف المملكة إلى تسوية هذا النزاع من خلال التفاوض مع الجبهة، والجزائر (التي تعتبرها بمثابة خيوط تحريك البوليساريو وصانع القرار الحقيقي) وموريتانيا. هدفها هو التوصل إلى اتفاق بشأن شروط منح السلطات للصحراء الغربية بحيث تظل المنطقة تحت سيادتها – وهو ما تشير إليه المغرب بخطة الحكم الذاتي.
من جانبها، ترغب البوليساريو في إجراء محادثات ثنائية مع الرباط للتوصل إلى اتفاق بشأن استفتاء لتقرير المصير، وهو نفس الموقف الذي تتبناه الجزائر. في الوقت نفسه، تواصل الوحدات العسكرية للبوليساريو عملياتها داخل المنطقة العازلة التي، رغم انهيار وقف إطلاق النار الذي توسطت فيه الأمم المتحدة في 1991، تظل تفصل الصحراء الغربية التي تسيطر عليها المغرب عن الجزائر، التي تستضيف مخيمات اللاجئين الصحراويين.
منذ عام 2021، هددت سلسلة من الحوادث في المنطقة العازلة نشوب تصعيد غير مقصود بين البلدين. في نوفمبر 2021، أسفر ضرب مزعوم من المغرب عن مقتل مجموعة من سائقي الشاحنات الجزائريين في الصحراء الغربية، مما دفع الجزائر إلى التعهد بالانتقام، قبل أن تقتصر في وقت لاحق على احتجاج دبلوماسي.
في عام 2022، كانت بعثة الأمم المتحدة إلى الصحراء الغربية (مينورسو) على وشك الانسحاب من المنطقة العازلة بسبب رفض البوليساريو السماح بعمليات إعادة الإمداد الأرضية بعد أن قصفت المغرب إحدى شاحنات الإمداد التابعة لها. وردًا على ذلك، هددت الرباط بالسيطرة على المنطقة، مما أثار احتمال مواجهة قوات مغربية مع الجيش الجزائري على طول الحدود مع الصحراء الغربية، وملاحقة هجمات البوليساريو المستقبلية مباشرة داخل الأراضي الجزائرية. وأخيرًا، في أكتوبر 2023، أصاب صاروخ أطلقته البوليساريو مدينة السمارة، مما أسفر عن مقتل مدني مغربي. ألقت السلطات في الرباط المسؤولية عن الهجوم بشكل صريح على الجزائر.
ومع ذلك، أثبت كل من ضبط النفس المتبادل وانخراط الولايات المتحدة أنهما كافيان لاحتواء هذه المحفزات التصعيدية. وبما أن أيًا من البلدين لا يريد الحرب، فقد تمكنت الجزائر والمغرب من الامتناع عن استفزاز بعضهما البعض عمدًا بعد كل حادثة، حتى في ظل غياب الاتصال المباشر. بالإضافة إلى ذلك، انخرطت واشنطن عمدًا تحت إدارة بايدن مع كلا البلدين لتهدئة مخاوف الجزائر الأمنية وللاستمرار في تعزيز علاقاتها مع المغرب. وعند الحاجة، تدخلت لإرسال رسائل تهدئة والمساعدة في احتواء هذه الأحداث.
هل ستتصاعد التوترات مع وجود ترامب في البيت الأبيض؟
أظهرت الصلابة النسبية لهذا الترتيب خلال العام الماضي، حيث لم يشهد النزاع في الصحراء الغربية تصعيدًا كبيرًا، وتم التعامل مع التطورات الدبلوماسية من كلا الجانبين بضبط النفس. ومنذ الهجوم على السمارة في أكتوبر 2023، ظل النزاع منخفض الحدة بين المغرب والبوليساريو محصورًا ضمن “قواعد اللعبة” الضمنية، أي عدم استهداف المدنيين وعدم التدخل في عمليات بعثة “مينورسو”، مما ساهم في تقليل مخاطر التصعيد إلى حد كبير.
في غضون ذلك، أثار اعتراف فرنسا في يوليو 2024 بسيادة المغرب على الصحراء الغربية، واعتمادها لغة جديدة بشأن خطة الحكم الذاتي (التي تعتبرها الآن “الحل الوحيد” للنزاع)، استياء الجزائر التي سحبت سفيرها من باريس، لكنه لم يؤدِ إلى رد فعل كبير. وبالمثل، عندما قضت محكمة العدل الأوروبية في أكتوبر لصالح البوليساريو بأن الصحراء الغربية لا ينبغي إدراجها في اتفاقية الصيد والزراعة بين الاتحاد الأوروبي والمغرب دون موافقة شعبها، اقتصرت الجزائر والرباط على ردود فعل دبلوماسية فقط.
بدأ التوازن الهش بين البلدين في الانهيار فقط بعد إعادة انتخاب دونالد ترامب لرئاسة البيت الأبيض في نوفمبر. خلال إدارته الأولى، تجنب ترامب اتخاذ أي موقف بشأن الصحراء الغربية حتى ديسمبر 2020 (بعد خسارته الانتخابات الرئاسية أمام جو بايدن)، عندما اعترف رسميًا بسيادة الرباط على هذه الأراضي مقابل تطبيع المغرب علاقاته الدبلوماسية مع إسرائيل. وكما هو متوقع، رحب المغرب بإعادة انتخابه في 2024، بينما تنظر الجزائر والبوليساريو إلى ذلك بقلق عميق.
في الأسابيع التي تلت فوزه بالانتخابات، أظهرت كل من الجزائر والمغرب علامات توتر متزايدة تجاه بعضهما البعض. في 8 نوفمبر، حذر وزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة مجموعة من البرلمانيين من أن الجزائر تستعد للحرب. وفي 9 نوفمبر، أطلقت البوليساريو أربع قذائف على منطقة المحبس في الصحراء الغربية التي تسيطر عليها المغرب، كادت أن تصيب تجمعًا لعشرات المدنيين. وفي 18 نوفمبر، عين الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون رئيس أركان الجيش السعيد شنڨريحة وزيرًا مفوضًا في وزارة الدفاع، مما جعله فعليًا وزير الدفاع، بينما تظل المسؤولية السياسية لهذه الحقيبة رسميًا بيد الرئيس. يعزز هذا التعيين نفوذ الأجهزة الأمنية في عملية صنع القرار في الجزائر. أظهرت كل هذه الحوادث تزايد القلق بين الأطراف في مواجهة بيئة دولية أقل استقرارًا.
ومع ذلك، من غير المحتمل أن تدخل الجزائر والمغرب في حرب مفتوحة في المستقبل القريب. لا يزال من غير الواضح السياسة التي ستتبناها إدارة ترامب بشأن الصحراء الغربية والأزمة بين الجزائر والرباط. تأمل المغرب في أن تشارك الولايات المتحدة في جهودها لتعزيز خطة الحكم الذاتي وعزل الجزائر، وترى تعيين ماركو روبيو كوزير للخارجية بشكل إيجابي، نظرًا لدعمه فتح قنصلية أمريكية في الصحراء الغربية وفرض عقوبات على الجزائر بسبب شرائها الأسلحة الروسية. ومع ذلك، من الممكن أيضًا أن تنسحب واشنطن ببساطة من منطقة تعتبرها هامشية بالنسبة لمصالحها الأساسية، كما فعل ترامب خلال معظم فترة إدارته السابقة.
على أي حال، سواء كانت السياسة الخارجية الأمريكية متحيزة أو غير ملتزمة، من المرجح أنها ستؤدي إلى إزالة دعم مهم ضد التصعيد المحتمل. تحت إدارة ترامب، من الصعب تصور أن واشنطن ستتفاعل بشكل هادف مع كلا البلدين وتتدخل في أوقات التوترات المتزايدة. هذا التغيير في السياسة هو عامل خطر من المحتمل أن يضع عبء منع الصراع بالكامل على اختيارات الجيران العقلانية وضبط النفس. يمكن للاتحاد الأوروبي والحكومات الأوروبية الرئيسية تقليل المخاطر إذا قرروا تحمل الدور الذي لعبته إدارة بايدن. ولكن لكي يحدث ذلك، سيتعين عليهم تنسيق مواقفهم بشكل أفضل وإيجاد حد أدنى من القواسم المشتركة بشأن أزمة أدت حتى الآن إلى تعاطي دول الاتحاد الأوروبي مع تداعياتها بشكل ثنائي تقريبًا من أجل حماية مصالحها الوطنية.
* تمت ترجمة هذا المقال من اللغة الإنجليزية.
ريكاردو فابيا ني هو مدير مشروع شمال أفريقيا في مجموعة الأزمات الدولية. لديه أكثر من عشر سنوات من الخبرة المهنية كمحلل سياسي واقتصادي في شمال أفريقيا، حيث عمل في مجموعة يوراسيا، وإنرجي أسبكتس، وغيرها من شركات الاستشارات. وقد نشر مقالات في مجلة “صدى” التابعة لمؤسسة كارنيغي، وجدلية، ومؤسسة كونراد أديناور، و”فايننشال تايمز”.