شهد عام 2024 في اليمن تحوّلًا محوريًا في ديناميكيات القوى الإقليمية، حيث رسّخت جماعة الحوثي المسلحة دورها كقوة مُزعزعة ولاعب بارز على الساحة العالمية. وقد تأثّر هذا التطور بشكل كبير بأحداث بدأت أواخر عام 2023. ومن خلال استغلال سيطرتهم على شمال اليمن، قام الحوثيون بتوظيف الممرات البحرية الاستراتيجية في البحر الأحمر كسلاح، مستهدفين السفن المارة عبر مضيق باب المندب منذ نوفمبر 2023. وكإعلان عن التضامن مع فلسطين في حرب إسرائيل على غزة، هدفت تحركات الحوثيين إلى الضغط على إسرائيل وحلفائها لإنهاء الحرب، مُعلنين أن جميع السفن المتجهة إلى الموانئ الإسرائيلية أهداف مشروعة.
جاء الرد من واشنطن سريعًا، مما مهد الطريق لتوترات مستمرة في عام 2024. ففي ديسمبر 2023، قاد الرئيس جو بايدن تحالفًا أُطلق عليه اسم “عملية حارس الازدهار”، والذي ضم الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وأستراليا والبحرين وكندا وهولندا، حيث شنّ التحالف هجمات عسكرية على البنية التحتية العسكرية للحوثيين داخل اليمن بهدف تقويض قدرات الجماعة. ومع ذلك، بدلًا من التراجع، صعّد الحوثيون من هجماتهم، ونفّذوا ضربات بطائرات مسيّرة على المدن الإسرائيلية عدة مرات، مما أظهر أن قدراتهم التشغيلية وصلت إلى مستويات غير مسبوقة.
جاءت الضربات الانتقامية الإسرائيلية على ميناء الحديدة اليمني في يوليو وسبتمبر لتعمّق دورة التصعيد. كما نفّذت القوات الأمريكية والبريطانية غارات جوية استهدفت مخازن أسلحة حوثية، مما زاد من حدة التوترات المتصاعدة.
وفي الوقت نفسه، برزت انتهازية جيوسياسية في أماكن أخرى. ففي يونيو، أثارت محاولة الإمارات استئجار ميناء عدن الدولي لهيئة موانئ أبوظبي غضبًا واسعًا بين الشخصيات السياسية والناشطين اليمنيين.
تراجع نفوذ الحوثيين وإيران
بحلول أواخر عام 2024، كان “محور المقاومة” في حالة من الفوضى. فقد وجّهت اغتيالات قادة من حماس وحزب الله، إلى جانب انهيار نظام الأسد، ضربة كبيرة لنفوذ إيران الإقليمي. وبالنسبة للحوثيين في اليمن، يُبرز تراجع قدرة إيران على دعم حلفائها هشاشة موقف الجماعة ويفرض تحديات عميقة عليها.
إن تراجع قدرة إيران على فرض نفوذها وتقديم الموارد في اليمن قد يترك الحوثيين في موقف هش، مما قد يخلق فراغات في السلطة قد تُزعزع الديناميكيات الهشة للصراع القائم بالفعل. وبينما قد يوفر هذا التحول فرصة للتهدئة، خاصة إذا أُجبرت إيران على تقليص دعمها، فإنه قد يدفع الحوثيين أيضًا إلى تصعيد مواقفهم العسكرية أو البحث عن تحالفات بديلة، مما سيزيد من تعقيد جهود إحلال السلام.
على ضوء الأحداث الأخيرة، ركّز قادة الحوثيين خطابهم على الأعداء الخارجيين، مما يعكس استراتيجية إيران في التهرب من المسؤولية واتباع سياسة إلقاء اللوم على الآخرين، وهو ما يكشف عن هشاشة موقفهم. وبالمثل، وكما تجاهل نظام الأسد مطالب شعبه، يواصل الحوثيون تجاهل مظالم اليمنيين مع التركيز على الجهات الخارجية. هذه المقاربة تُعرّضهم لخطر زيادة عزلة الشعب اليمني وتعزيز الانطباع بأن الجماعة تُعطي الأولوية للأجندات الخارجية على حساب الاستقرار الداخلي.
الاحتياجات الاقتصادية والإنسانية لليمن في عام 2025
من المتوقع أن تتفاقم الأزمات الاقتصادية والإنسانية في اليمن بحلول عام 2025، بسبب الصراع المستمر، والتشظي الاقتصادي، وانعدام الاستقرار الإقليمي. وتشير التقديرات إلى أن حوالي 19.5 مليون شخص سيحتاجون إلى المساعدات الإنسانية في عام 2025، بزيادة تقارب 7% مقارنة بعام 2024. حاليًا، يواجه أكثر من 17 مليون يمني انعدام الأمن الغذائي، من بينهم 3.5 مليون يعانون من سوء التغذية الحاد. بالإضافة إلى ذلك، يفتقر ما يقرب من 18 مليون شخص إلى مياه الشرب النظيفة وخدمات الصرف الصحي، بينما تستمر الأمراض التي يمكن الوقاية منها مثل الكوليرا والدفتيريا وحمى الضنك في التفشي بين السكان.
لا يزال الاقتصاد في حالة انهيار مستمر، حيث انكمش الناتج المحلي الإجمالي بنسبة إضافية بعد انكماش بنسبة 1% في عام 2024. وقد أدت عرقلة صادرات النفط وتدهور قيمة الريال اليمني إلى شلّ المالية العامة للدولة، مما ترك الخدمات الأساسية دون تمويل وزاد من حدة الأزمة الإنسانية. كما أدى ارتفاع معدلات التضخم واضطراب سلاسل التوريد، والذي تفاقم بسبب هجمات الحوثيين على حركة الشحن في البحر الأحمر، إلى دفع البلاد نحو حافة الانهيار.
آفاق السلام الهشة
على الرغم من الهدنة الموقعة عام 2022 بين الحوثيين والحكومة اليمنية المعترف بها دوليًا، والإعلان عن خارطة طريق قبل عام، لم يُحرَز أي تقدم جوهري نحو تسوية سلمية دائمة. في الواقع، لا تزال آفاق السلام في اليمن هشة للغاية.
خلال الأسابيع الثلاثة الماضية، شهدت رؤية المبعوث الأممي الخاص إلى اليمن، هانس غروندبرغ، تحولًا حادًا — من تفاؤل حذر إلى قلق عاجل. قبل ثلاثة أسابيع، طرح غروندبرغ مسارًا للسلام في عام 2025، يعتمد على وحدة الموقف الدولي وخارطة طريق واضحة لوقف إطلاق النار.
لكن رسالته التي أدلى بها أمس كانت أكثر قتامة: تصاعد العنف، والانهيار الاقتصادي، والانتهاكات الصارخة لحقوق الإنسان — مثل احتجاز الحوثيين للأفراد وانعدام الأمن في البحر الأحمر — كلها تزيد من زعزعة استقرار اليمن.
إن نافذة العمل الدبلوماسي تضيق بسرعة. وقد حذر غروندبرغ من أن هذه التطورات قد قلصت مساحة الوساطة وتهدد بتقويض أي تقدم محقق، داعيًا إلى تحرك فوري لمنع اليمن من الانزلاق أكثر نحو الفوضى.
يتفاقم هذا الشعور بالإلحاح بسبب التحولات الإقليمية الأوسع نطاقًا، بما في ذلك تراجع نفوذ إيران عقب سقوط نظام الأسد. في السابق، كان الحوثيون يعرّفون السلام على أنه سيناريو يضمن لهم السيطرة المطلقة على السلطة، مع استبعاد الحكومة اليمنية المعترف بها دوليًا والفصائل السياسية الأخرى.
ومع ذلك، ومع إضعاف داعمهم الرئيسي، قد يُجبر الحوثيون على إعادة تقييم موقفهم. فقد يدفعهم تراجع الدعم الخارجي إلى خفض سقف مطالبهم، والتعامل بجدية أكبر مع المفاوضات، والمشاركة في محادثات سلام شاملة، مما قد يخلق فرصة لتحقيق تقدم — إذا تحرك المجتمع الدولي بحزم وفعالية.
ومع ذلك، فإن التصعيد في المواجهة بين جماعة الحوثي المسلحة وإسرائيل قد يشعل استئناف حرب اليمن من جديد. فقد كان المعسكر المناهض للحوثيين في اليمن يطالب بالحرب مع الحوثيين منذ أن بدأت إسرائيل مهاجمة اليمن في يوليو 2024. على سبيل المثال، صرح حميد الأحمر، أحد القيادات البارزة في حزب الإصلاح، بأن التطورات الإقليمية والدولية الأخيرة يجب استغلالها لـ “إنهاء الانقلاب الحوثي المشؤوم واستعادة الدولة”. وأكد أن الحوثيين قد أظهروا مرارًا وتكرارًا عدم التزامهم بالسلام، بعد أن أضاعوا الجهود الجادة التي بذلتها المملكة العربية السعودية للتوصل إلى تسوية سلمية. كما أشار الأحمر إلى تصاعد الغضب الشعبي في المناطق التي يسيطر عليها الحوثيون، واصفًا إياه بأنه وصل إلى مستويات غير مسبوقة، محذرًا من أن اعتماد الحوثيين على التصعيد العسكري والقمع سيعمق هذا الاضطراب أكثر.
وتعكس رسالته شعورًا أوسع بين الفصائل المناهضة للحوثيين بأن الوقت قد حان لمواجهة الحوثيين عسكريًا، وهو الموقف الذي قد يؤدي إلى تصعيد الصراع في اليمن بشكل أكبر في عام 2025. ومع ذلك، لا يبدو أن جماعة الحوثي تخشى أو تكترث لأي من هذا، حتى وإن تعرضت لضربات قوية من الولايات المتحدة وإسرائيل وعواقب ذلك. فهم يبدون واثقين من أن المعسكر الداخلي المناهض للحوثيين لا يزال منقسمًا وضعيفًا، ولم يعد يتلقى نفس مستوى الدعم العسكري الذي كان يحصل عليه من التحالف الذي تقوده السعودية لاستعادة شرعية الحكومة اليمنية. وإذا حصل المعسكر المناهض للحوثيين على دعم عسكري كبير من داعميه السابقين، السعودية والإمارات العربية المتحدة، أو من حلفاء خارجيين جدد، فإن استئناف حرب اليمن سيصبح شبه لا مفر منه. في النهاية، فإن أحد أخطر التهديدات لفرص السلام في اليمن في 2025 هو الاحتمال الوشيك للعودة الكاملة إلى الحرب الأهلية، وهو سيناريو لن يؤدي إلى تدمير اليمن بشكل أكبر فقط، بل سيمتد تأثيره أيضًا على الأمن الإقليمي و طرق الشحن العالمية.
دور المجتمع الدولي في تسهيل السلام في 2025
لتسهيل السلام في اليمن بحلول العام المقبل، يجب على المجتمع الدولي الاستفادة من تراجع نفوذ إيران لتشجيع الحوثيين على إعادة النظر في مواقفهم المتشددة والانخراط في حوار شامل. ويتطلب ذلك الضغط على جميع الأطراف للمشاركة بشكل بناء، وضمان المشاركة الفعالة للفصائل اليمنية المختلفة، بما في ذلك النساء والشباب ومنظمات المجتمع المدني في محادثات السلام.
من المهم معالجة هشاشة الاقتصاد في اليمن، بما في ذلك تقديم المساعدات العاجلة لاستقرار الاقتصاد، وتخفيف انعدام الأمن الغذائي، وإعادة بناء البنية التحتية. في الوقت نفسه، يجب أن تركز الجهود على إعادة بناء مؤسسات الدولة لاستعادة الخدمات وتعزيز سيادة القانون. يمكن للمجتمع الدولي خلق الظروف اللازمة للسلام والاستقرار المستدام في اليمن من خلال إعطاء الأولوية للاحتياجات الإنسانية، وتمكين المبادرات المحلية للسلام، وتعزيز التعاون الإقليمي. ورغم أن المشاركة الدولية أمر بالغ الأهمية، يجب أن تتم دون المساس بسيادة اليمن، أو تعزيز الانطباع بأن السلام يُفرض من قبل القوى الأجنبية بدلاً من أن يتحقق بشكل طبيعي من قبل اليمنيين أنفسهم.
في الختام
الوصول إلى اتفاق سلام دائم سيفتح طريقًا لليمن نحو التعافي. بدون تدخل فوري، يواجه اليمن تزايد الفقر والنزوح وعدم الاستقرار، مما يهدد مستقبله. مسار اليمن في عام 2024 لم يكن مقتصرًا على الصراع فقط، بل كان مثالًا على كيفية أن الفراغ في السلطة وتشظي الحكم تتيح للقوى الخارجية إعادة صياغة قواعد اللعبة. لقد أعادت أفعال الحوثيين تعريفهم كقوة إقليمية قادرة على تغيير مشهد الشحن العالمي ولكن بتكلفة كبيرة على استقرار اليمن. يعتمد مستقبل البلاد الآن على ما إذا كانت هذه المصالح المتنافسة يمكن أن تجد توازنًا، أم سيظل اليمن ساحة صراع بالوكالة في منافسة جيوسياسية أوسع.
أفراح ناصر، زميلة غير مقيمة في المركز العربي في واشنطن. وهي حائزة على جائزة حرية الصحافة الدولية من لجنة حماية الصحفيين وعملت سابقًا كباحثة في شؤون اليمن في منظمة هيومن رايتس ووتش.